فهم القرآن

 

القرآن كتاب فريد من نوعه، ليس مثل أي كتاب آخر. لا يسير بطريقة سردية مثل الروايات، بل هو رسالة من الله تحمل الهداية والنور. عندما تقرأه، ستجد آيات تتحدث عن العقيدة، وأخرى عن الأخلاق، وقصص الأمم السابقة، وأحكام تنظم حياة الإنسان. كل موضوع مرتبط بالآخر، مما يجعل القرآن كتابًا متكاملًا يخاطب القلب والعقل معًا.

 

القرآن يتكون من 114 سورة، وكل سورة تحتوي على عدد من الآيات، ليصل مجموعها إلى أكثر من 6,000 آية. بعض السور طويلة، مثل سورة البقرة التي تحتوي على 286 آية، وبعضها قصيرة جدًا، مثل سورة الكوثر التي تتكون من ثلاث آيات فقط. لكن رغم هذا التفاوت، يبقى المعنى متصلًا، والرسالة واضحة.

 

ومع ذلك، قبل أن نبدأ في فهم القرآن، يجب أن نسأل: ماذا يقول القرآن عن نفسه؟ هل هو واضح وكامل؟ ومن أين جاء؟

 

١. القرآن من الله

 

القرآن ليس من كلام البشر، بل هو وحي من الله أنزله ليكون هداية للبشرية. الله نفسه تكفّل بحفظه من أي تحريف أو تغيير، ليبقى نقيًا كما أُنزل. نجد هذا في آيات مثل:

 

(39:1) تَنزِيلُ ٱلْكِتَـٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ 

(15:9) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَـٰفِظُونَ

(56:80) تَنزِيلٌۭ مِّن رَّبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ

 

القرآن ليس مجرد نص يُقرأ، بل هو رسالة حية لكل إنسان، تخاطب كل من يبحث عن الحقيقة وتفتح له باب التفكر والتأمل.

 

 

٢. نزل باللغة العربية

 

القرآن نزل باللغة العربية، وهي لغة تتميز بالدقة والجمال والقدرة على التعبير عن المعاني العميقة. كلماتها غنية ومتنوعة، وتراكيبها اللغوية تمنح الجملة طبقات مختلفة من المعاني. 

 

على عكس لغات كثيرة، تمتلك العربية نظامًا نحويًا دقيقًا ومنظمًا. أحيانًا، كلمة واحدة يمكن أن تحمل أكثر من معنى، وتغييرات بسيطة في ترتيب الجملة قد تضيف أبعادًا جديدة تمامًا. لهذا، كل كلمة في القرآن مختارة بعناية، وتحمل معاني يصعب ترجمتها بنفس الدقة إلى أي لغة أخرى.

 

لهذا السبب، لا يمكن لأي ترجمة أن تنقل جمال القرآن وروحه ودقته كما هو في لغته الأصلية.

 

(12:2) إِنَّآ أَنزَلْنَـٰهُ قُرْءَٰنًا عَرَبِيًّۭا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ

(13:37) وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَـٰهُ حُكْمًا عَرَبِيًّۭا ۚ وَلَئِنِ

(39:28) قُرْءَانًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِى عِوَجٍۢ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ

(41:3)كِتَـٰبٌۭ فُصِّلَتْ ءَايَـٰتُهُۥ قُرْءَانًا عَرَبِيًّۭا لِّقَوْمٍۢ يَعْلَمُونَ

(41:44) وَلَوْ جَعَلْنَـٰهُ قُرْءَانًا أَعْجَمِيًّۭا لَّقَالُوا۟ لَوْلَا فُصِّلَتْ ءَايَـٰتُهُۥٓ ۖ

 

 

 ٣. كامل ولا ينقصه شيء

 

على عكس كتب البشر، التي تحتاج دائمًا إلى شروح طويلة وتفسيرات خارجية لفهمها، يصف القرآن نفسه بأنه كتاب مفصل وكافٍ بذاته. فهو لا يحتاج إلى إضافات من خارجه ليكون واضحًا أو مفهومًا، بل يقدّم بنفسه كل ما يحتاجه الإنسان من بيان وهداية.

 

16:89  وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ تِبْيَـٰنًۭا لِّكُلِّ شَىْءٍۢ وَهُدًۭى وَرَحْمَةًۭ وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ

 

6:38 مَّا فَرَّطْنَا فِى ٱلْكِتَـٰبِ مِن شَىْءٍۢ ۚ

 

11:1  الٓر ۚ كِتَـٰبٌ أُحْكِمَتْ ءَايَـٰتُهُۥ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ

 

إذا كان القرآن قد وصف نفسه بأنه كامل، واضح، ومفصل في كل شيء، فلماذا لا يزال البعض يبحث عن الهداية في مصادر أخرى؟

 

هل المشكلة في وضوح القرآن نفسه؟ أم أننا لم نمنحه الاهتمام والتدبر الذي يستحقه؟

 

 

 

 

 

 ٤. واضح وسهل التذكّر

 

القرآن ليس كتابًا معقدًا أو صعبًا. بل هو كلام الله الواضح الذي يمكن للجميع فهمه وتدبّره. يؤكد الله في آياته أنه جعل القرآن ميسرًا للذكر، فلا عذر لمن يدّعي غير ذلك.

 

26:2 تِلْكَ ءَايَـٰتُ ٱلْكِتَـٰبِ ٱلْمُبِينِ 

 

وفي سورة القمر، يكرر الله رسالة مهمة:

 

54:17 وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍۢ 

 

54:22 وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍۢ

 

54:32 وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍۢ 

 

54:40 وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍۢ 

 

هذا التكرار ليس بلا معنى، بل هو تأكيد لمن يظن أن القرآن صعب.

 

الله يقول لنا: القرآن واضح. القرآن سهل. القرآن أنزل ليُفهم.

 

فهل نُصدّق كلام الله، أم نترك غيرنا يُشكّكنا في ذلك؟

 

 

٥. الحق ومحفوظ

 

القرآن هو الحق من عند الله—واضح، كامل، ولا خطأ فيه. هو هداية ثابتة لا تتغير، لا تتناقض، ولا تفشل أبدًا.

 

القرآن محفوظ بحفظ الله، فلا يمكن للباطل أن يصل إليه، ولا يمكن لأي تغيير أن يفسده.

 

 41:42 لَّا يَأْتِيهِ ٱلْبَـٰطِلُ مِنۢ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِۦ ۖ تَنزِيلٌۭ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍۢ 

 

17:105 وَبِٱلْحَقِّ أَنزَلْنَـٰهُ وَبِٱلْحَقِّ نَزَلَ ۗ وَمَآ أَرْسَلْنَـٰكَ إِلَّا مُبَشِّرًۭا وَنَذِيرًۭا 

 

15:9 إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَـٰفِظُونَ 

 

25:33 وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَـٰكَ بِٱلْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا 

 

لقد أعطانا الله الحق . فلا حاجة لإضافات أو تفسيرات خارجية، فهو كامل وكافٍ بذاته.

 

فهل نثق في حقائق القرآن، أم نعرض عنها؟

 

 

٦. مفصل وكامل

 

يصف القرآن نفسه بأنه كامل ومفصل، لا ينقصه شيء:

 

6:114 أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْتَغِى حَكَمًۭا وَهُوَ ٱلَّذِىٓ أَنزَلَ إِلَيْكُمُ ٱلْكِتَـٰبَ مُفَصَّلًۭا ۚ 

 

6:115 وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًۭا وَعَدْلًۭا ۚ لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَـٰتِهِۦ ۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ

 

لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌۭ لِّأُو۟لِى ٱلْأَلْبَـٰبِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًۭا يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَىْءٍۢ وَهُدًۭى وَرَحْمَةًۭ لِّقَوْمٍۢ يُؤْمِنُونَ

12:111

 

18:1 ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِىٓ أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَـٰبَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُۥ عِوَجَاۜ 

 

11:1 الٓر ۚ كِتَـٰبٌ أُحْكِمَتْ ءَايَـٰتُهُۥ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ 

 

إذا كان القرآن واضحًا ومفصلًا وكافيًا، فلماذا يبحث البعض عن تعليمات إضافية في كتب الحديث أو فتاوى العلماء؟

 

هل يظنون أن القرآن لا يحتوي على كل ما يحتاجون إليه؟ 

 

 

 

٧. مصدر الهداية والتفكر

 

القرآن ليس مجرد كتاب يُقرأ، بل هو هداية ونور ورحمة. هو مرشد لنا في حياتنا اليومية، يساعدنا في تشكيل أفكارنا، اختياراتنا، وطريقتنا في العيش.

 

كل آية تدعونا للتفكر والعمل والتغيير. إنه ليس مجرد نص مكتوب، بل هو رسالة إلهية تهدف إلى إرشادنا في كل جوانب حياتنا.

 

وعد الله بالرحمة والهداية والوضوح ليس لمن يقرؤون القرآن فقط، بل لمن يتبعونه ويجعلونه نهجًا لهم في الحياة.

 

2:2 ذَٰلِكَ ٱلْكِتَـٰبُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًۭى لِّلْمُتَّقِينَ

 

أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَرَحْمَةًۭ وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍۢ يُؤْمِنُونَ

29:51

 

وَهَـٰذَا صِرَٰطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًۭا ۗ قَدْ فَصَّلْنَا ٱلْـَٔايَـٰتِ لِقَوْمٍۢ يَذَّكَّرُونَ

6:126

 

وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَٰطِى مُسْتَقِيمًۭا فَٱتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا۟ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِۦ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ

6:153

 

 

وَهَـٰذَا كِتَـٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ مُبَارَكٌۭ فَٱتَّبِعُوهُ وَٱتَّقُوا۟ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ

6:155

 

 

 

 

٨. تحدي القرآن للبشر

 

إذا كان هذا الكتاب من صنع البشر، لكان من الممكن تقليده. لكن الله يتحدانا بشكل قاطع:

 

قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلْإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰٓ أَن يَأْتُوا۟ بِمِثْلِ هَـٰذَا ٱلْقُرْءَانِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِۦ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍۢ ظَهِيرًۭا 17:88

 

إذا كان ذلك صعبًا، فليحاولوا أن يأتوا بعشر سور مثل القرآن:

 

أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا۟ بِعَشْرِ سُوَرٍۢ مِّثْلِهِۦ مُفْتَرَيَـٰتٍۢ وَٱدْعُوا۟ مَنِ ٱسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ 11:13

 

وإن كان ذلك أيضًا صعبًا، فليحاولوا أن يأتوا بسورة واحدة فقط:

وَإِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍۢ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا۟ بِسُورَةٍۢ مِّن مِّثْلِهِۦ وَٱدْعُوا۟ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ 2:23 

 

ما الذي يجب أن نفعله مع القرآن؟

 

القرآن ليس مجرد كتاب نقرأه بين الحين والآخر أو نسمعه في الخلفية. هو كتاب يجب أن نعيش معه يوميًا، نفتح صفحاته للتفكر والتأمل.

 

القرآن نزل ليكون مرشدًا لنا في حياتنا، وليس مجرد نص نقرأه لمجرد القراءة. يجب أن ندرسه ونفهم معانيه بعمق. "

 

ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِى خَلَقَ 96:1

أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءَانَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُوا۟ فِيهِ ٱخْتِلَـٰفًۭا كَثِيرًۭا  4:82

أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءَانَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ 47:24

كِتَـٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ إِلَيْكَ مُبَـٰرَكٌۭ لِّيَدَّبَّرُوٓا۟ ءَايَـٰتِهِۦ وَلِيَتَذَكَّرَ أُو۟لُوا۟ ٱلْأَلْبَـٰبِ 38:29

 

 

في ضوء هذه الآيات، تأمل بصدق: هل تؤمن أن القرآن مبين، فيه كل شيء تحتاجه للهداية؟ أم تراه ناقصًا يحتاج إلى شروح وتفاسير خارجية ليُفهم؟

 

هل يكون القرآن مجرد تلاوة بلا تدبر، أو كتابًا نمرّ عليه سريعًا في موسم معين؟ أم أنه نور أنزله الله ليهدي القلوب، وكتاب يجب أن نعيش به، ونجعل آياته تنير طريقنا؟

 

القرآن يدعونا أن نتدبره، أن نسمع له بقلب حاضر، وأن نجعله الميزان في حياتنا. فهل ستفتح له قلبك وتدع نوره يهديك؟